ينقل مجد الأسدي مشهدًا صادمًا من نقاش داخل الحكومة الإسرائيلية حول تطبيق ما يُعرف بـ"الخط الأصفر" في غزة، وهو حدود رسمية تقول إسرائيل إنها ستسيطر عليها عسكريًا. دار الحوار بين ضباط ووزراء كبار حول ما إذا كان يجب إطلاق النار على الأطفال الفلسطينيين أم اعتقالهم. قال اللواء تامير يادعي، نائب رئيس الأركان: "عندما نرى مشتبهًا بالغًا نطلق النار، أما الطفل مع حمار فنعتقله." رد عليه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير متسائلًا: "ولِمَ لا نطلق النار على الطفل أيضًا؟" فأضاف وزير التعاون الإقليمي دافيد أمسالم ساخرًا: "نبدأ بالطفل أم الحمار؟"

 

يشير تقرير ميدل إيست آي إلى أن هذا النقاش لم يكن زلة لسان، بل انعكاسًا لمنظومة عنصرية تشرعن القتل الجماعي وتُجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم. اللغة هنا لا تصف الواقع فقط، بل تبرره؛ فحين يُساوى الفلسطيني بالحيوان، يصبح قتله عملًا "أمنيًا" مشروعًا. ومنذ اندلاع حرب إسرائيل على غزة، تكررت تصريحات تصف الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وهي لغة تُمهّد نفسيًا وسياسيًا للإبادة وتُحوّل العنف إلى واجب وطني.

 

يقول الكاتب إن هذا النوع من الخطاب يُحوّل الشخص إلى كائن بلا قصة ولا اسم، مجرد "هدف" يُمحى دون ندم. اللغة تسبق الرصاصة، فهي التي تهيئ الأرض للمحو التام. حين يستخدم القادة تلك المفردات، لا يخاطبون بشرًا، بل "أشياء" بلا قيمة، وتصبح القوة المطلقة أسمى أشكال الأخلاق. حتى محاولات تبرير الجرائم بعبارات مثل "أوامر" أو "قانون" لا تُخفي جوهرها: العنف ليس تجاوزًا للمنظومة، بل جزء أصيل من عقيدتها.

 

يشرح الأسدي أن هذا الحوار يأتي بعد أشهر من القصف الذي قتل عشرات الآلاف من الأطفال في غزة، في وقت حُذفت فيه كلمة "طفل" من الخطاب العسكري والإعلامي الإسرائيلي. ما يُقال في غرف الوزراء هو امتداد مباشر لما يحدث في الميدان، حتى يبدو القتل أمرًا بديهيًا لا يحتاج تفسيرًا.

 

يؤكد الكاتب أن العنف الممنهج جعل الوحشية قاعدة لا استثناء، فالمؤسسة العسكرية التي تُقدَّم كـ"قوة دفاع" هي في الواقع الذراع التنفيذية للمشروع الاستيطاني. الجيش والمستوطن متكاملان في الرؤية والهدف: السيطرة على الأرض وإدامة نظام التفوق العنصري. ومع الزمن، تحولت هذه البنية إلى ما يشبه "دِينًا سياسيًا" يحدد هوية المجتمع الإسرائيلي ويغذي خطابه العام.

 

ويضيف أن الوزراء الذين يتباهون بعنفهم لا يمثلون انحرافًا بل مرحلة جديدة من تطور المشروع الصهيوني؛ العنف لم يعد عارًا بل صار "قيمة وطنية". فالقسوة تُعد اليوم رمزًا للسيطرة، والهوية تُبنى على مقياس التفوق غير المقيد.

 

لكن الكاتب يرى أن هذا الإفراط في العنف يكشف هشاشة النظام لا قوته. فالمجتمع الإسرائيلي يعيش على توازن دقيق بين الخوف والتسلط، وكلما اختل هذا التوازن، ظهرت التشققات في داخله. فـ"الإسرائيلي المستنير" الذي يرفع شعار تحرير الشعوب، عاجز عن تحرير نفسه من نظامه القمعي. وجوده قائم على استمرار العنف لا على انتماء حقيقي للأرض.

 

ويشير الأسدي إلى أن التاريخ يُظهر أن العنف المفرط غالبًا ما يُعلن بداية النهاية. حين يصبح الإرهاب سافرًا إلى هذا الحد، يفقد النظام القدرة على إخفاء حقيقته، وتتحول القوة إلى وسيلة بقاء مؤقتة لنظام يحتضر. عندها تنهار أركان السردية التي كانت تمنحه غطاءً سياسيًا وأخلاقيًا، ويبقى مجرد سلطة قهر عارية من المعنى.

 

ومع ذلك، يختتم الكاتب مقاله بصورة معاكسة تمامًا لتلك القسوة: وسط المجاعة والركام، يمدّ أحدهم علبة طعام لقطط شاردة في غزة. هذه اللمحة الصغيرة من الحنان تفضح قبح السلطة التي تتحدث عن قتل الأطفال والحيوانات في الوقت نفسه، وتقول إن الحياة — رغم كل شيء — ما زالت قادرة على مقاومة الفناء.

 

تلك المفارقة بين وحشية القتلة ورهافة الناجين هي ما يجعل الكاتب يرى أن إسرائيل، في ذروة بطشها، بدأت نهايتها الأخلاقية والسياسية بالفعل.

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/Israel-unrestrained-brutality-signals-beginning-of-its-end-how